الحدائق التراثية المغربية عبر العصور

على عكس الموروث العمراني الهائل الذي يزخر به المغرب منذ نشأت الدولة المغربية إلى حدود اليوم، فلا توجد معلومات ملموسة كثيرة عن الحدائق التراثية القديمة التي أُنشِئَت بالبلاد منذ دخول العمران الإسلامي إليها و الإستقرار بها، اللهم القليل مما نجى من أحداث و نوائب الدهر و ما ذُكر عبر المصادر التاريخية و الأدبية المتداولة، تلك التي تفوح منها ذكريات نخوة و فخامة أزمنة غابرة، تباهت بها أفنية و حدائق بيوت الأعيان و بساتين قصور الملوك و الأمراء و الحكام، على مر العصور الذهبية التي زخرت بالعديد من فنون و علوم العمارة و الهندسة والزراعة الموروثة من الشرق الإسلامي تارة و من الأندلس تارة أخرى.

لا يمكن لي أن أدخل في متاهات التاريخ القديم للمغرب، لضخامة الموضوع و لوجود الأكفاء الأكاديميين من المختصين في بحار هذا المجال، كل ما يمكن أن أسمح لنفسي بالتطرق إليه هو قراءة ميدانية لما تيسر من الإرث الحدائقي و المناظري* التراثي الإسلامي و الأندلسي في مغرب اليوم، أي الموجود المتاح الوصول إليه من الموروث إلى حدود نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، إبان دخول الإستعمار الفرنسي. فما نجده اليوم هو بالكد ما نجى من الإهمال والهدم و توالي ماجرايات العصور و الحقب …و مع هذا… فلا زالت عزة و شموخ المتوفر من بعض القصور و البيوت الكبرى القديمة التي صارعت الزمن ببسالة، و أطلال ما وهن من البنيان بعد صراعاته الباسلة ضد نكبات الدهر، تتكلم بكل بلاغة و فخر و إعتزاز عن الجمال و الإبداع اللذان كانا يوما ما يُزهران و يتباهيان بنخوة على أراضي المغرب المباركة.

إذا كانت القصور الملكية بالمغرب المعروفة بدار المخزن، عرابيناً بدون منازع للثقافة المناظرية المغربية الأندلسية العريقة و المعاصرة، فهناك مآثر أخرى لا زالت تحمل في طياتها معالم حدائق و جنان تغنى بها الماضي الزاهر و تباهت بها أهاليها بكل زهو و إفتخار … ففي فاس هناك دار المقري و دار با محمد الشرقي و دار الگلاوي و قصر الجامعي و قصر المنبهي و قصر البطحاء و في مكناس نجد قصبة مولاي إسماعيل و قصر المحنشة و الدار الكبيرة و ستينية و قصر المنصور … و في تطوان هناك آثار قصر الخليفة و في مراكش نجد قصر البديع و قصر الباهية و دار الباشا و دار مولاي علي و قصر المامونية،

لا يمكننا أن نُدخِل الإنجازات المناظرية التي حدثت خلال القرن العشرين في التصنيف التراثي القديم، فهي تدخل في سجل تاريخ المغرب الحديث و الذي تأثر كثيرا بالهندسة الإستعمارية و بإعادة ترجمة العديد من الفضاءات بتصاميم لمهندسين أجانب، جلهم تدخل منذ بداية القرن العشرين إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي، فتحولت البصمة المناظرية للعديد للمدن الكبرى إلى ما هي عليه اليوم …و على سبيل المثال حديقة قصبة الوداية بالرباط و جنان السبيل بفاس و حديقة الأمم المتحدة بالدار البيضاء … و التي هي كلها إنجازات معاصرة.

البحث العلمي عمل مستمر لا يعرف الكلل، وهو مفتوح لكل المبادرات الطيبة التي تريد أن تعرف الكثير و الأكثر عن فنون و علوم الحدائق والبساتين المغربية منذ نشأتها، سواء كان الأمر عبر التحقيق الميداني أو عبر البحث و التنقيب في خبايا الكتب و المخطوطات الموجودة في الخزانة الملكية بالرباط و المكتبة الوطنية للمملكة المغربية و خزانة القرويين الغنية الشهيرة.

و قد تمن علي الأقدار فأنشر ما أهتم به من بحث حول مفاهيم وتقنيات زراعة الحدائق في المغرب، و عن كيفية تطورها عبر العصور : الجوانب الفنية والهندسية للحدائق المغربية التقليدية – المناظر الطبيعية والحدائق في الثقافة المغربية – الحدائق والبساتين في الشعر التقليدي المغربي.

لا يسعني و أنا أسطر هذه الخطوط اليوم، إلا أن أذكر لقاءات الحياة التي يقينا أثرت بكل إيجابية على مساري في حب التاريخ الهندسي للمغرب، منهم من هو حي يرزق : المرجع الكبير و العلامة الدكتور الكاتب حميد التريكي حفظه الله و أطال في عمره و أفادنا من علومه، و منهم من توفاه الله كالمرحوم الكاتب الدكتور الكاتي العلامة إبراهيم تيتوس بوركهاردت Ibrahim Titus Burkhardt و المرحوم الأستاذ العالم الكاتب عبد القادر زمامة و المرحوم الصديق الدكتور العلامة الاقتصادي والمؤرخ الزراعي المغربي محمد الفايز، الأستاذ بجامعة القاضي عياض بمراكش.

لا يمكن لي أن لا أشكر ذكرى من لولاه ما فُتِحَتْ لي أبواب و سبل المعرفة و من كان خط الوصل و الأصل في تشرفي بمجالسة عمالقة العلوم من معاصريه، والدي المرحوم الدكتور العلامة الباحث عبد اللطيف السعداني.

مواضيع أبحاث أشجع عليها :

الحدائق والبساتين في المغرب قبل الإستعمار الفرنسي

هندسة و فنون الحدائق التراثية المغربية

الحدائق و البساتين في الشعر المغربي التقليدي

الحدائق في التراث المغربي

العمارة و الحدائق في الأندلس الإسلامية

مصطلحات فنية :

المصطلحات المتداولة حول الحدائق المغربية :

  • أگدال (بالبربرية) = Agdal = البساتين الملكية
  • جنان = بستان،
  • رياض = بيت أرستقراطي، له حديقة داخلية أو أكثر على النمط الإنطوائي (مسمى من باب المجاملة و العرف اللغوي المحلي)
  • عرصة = حديقة،
  • جردا = تحويل دارج عامي حديث لكلمة ”Jardin “ بالفرنسية = ”Garden“ بالإنجليزية = حديقة عصرية أو في فضاء عمومي.
  • البرطال = أو Al-Burtāl (البرطل أو البرطال) وهو مسمى تعريبي للكلمة اللاتينية بورتال أي “بوابة” و التي كانت تُستخدم في اللغة القشتالية القديمة لتعني “الرواق”. أما في المغرب غالبًا ما نجدها عبارة عن جيب أو جزء من ممر ، مفروشة ومفتوحة على البهو أو الفناء، حيث عادة ما تقام طقوس تحضير الشاي.
1024 652 إدريس السعداني

إدريس السعداني

النسيج البيئي و المحيط اليومي الحاضر، يحددان مسارات الغد !

المقالات بقلم : إدريس السعداني
Verified by MonsterInsights