ماذا عن الضفادع: بين الأسطورة والحقيقة العلمية… ماذا لو انقرضت هذه الكائنات الغامضة الغريبة المظهر من وجه الأرض؟

و نحن نتنزه وسط الغابات أو على مسارات ريفية في أوروبا أو في بلدان المغرب، في أوقات مبكرة من اليوم أو عند غروب الشمس …بين حقول مزروعة أو على ضفاف الأنهار … نسمع نقيق الضفادع … … فنتذكر أيام الدراسة …لما كانت أستاذة العلوم الطبيعية تطلب منا أن نأتي بضفادع و بعض من يرقاتها … من أجل تشريحها خلال حصص علوم الأحياء…و من منا لا يتذكر تلك الأيام …
الضفادع بين الأساطير والمعتقدات الشعبية
في الثقافات الشعبية… عانت الضفادع بشكل خاطئ من سمعة سيئة على مدى آلاف السنين، … إذ أنه كان من المعتقد أن لدى أجزاء منها أو لدى مستخلصاتها خاصيات يعتمد عليها خلال طقوس السحرة و الخيميائيين…
أفكار خاطئة عن الضفادع
- الضفادع تسبب الثآليل: وهي واحدة من الأساطير الأكثر انتشارًا. إذ يعتقد الكثيرون و بشكل خاطئ أن لمس أو حمل أي ضفدع قد يسبب ظهور ثآليل على البشرة. أما الحقيقة هي أن الثآليل ناجمة عن فيروسات ولا علاقة لها أبدا بالضفادع.
- الضفادع تجلب الحظ السيء: و هو ما يروج في العديد من الثقافات، ما ليس له أي أساس علمي، إذ أن الضفادع كائنات بريئة من أية ”قوى سحرية “.
- الضفادع سامة باللمس: على الرغم من أن بعض أنواع الضفادع تفرز سمومًا جلدية، إلا أن لمسها دون أن تتصل إفرازاتها بالأغشية المخاطية أو بالدم عبر جرح ما، لن يسم الإنسان. ومع ذلك…..فمن الأفضل أن يُتجنب التعامل مع الضفادع البرية لأنها قد تكون ملوثة بالبكتيريا أو الطفيليات.
- الضفادع قذرة وليست نظيفة: الضفادع نظيفة ومهتمة بنظافتها الشخصية و هي تقضي الكثير من الوقت في تنظيف أنفسها باستخدام ألسنتها اللاصقة لصيد الحشرات.
- الضفادع دائمًا صامتة: تُشَخَّص أنواع الضفادع حسب نبرات تردداتها الصوتية و التي تستخدمها لجذب بني جلدتها للتزاوج و كذلك من أجل تحديد أراضيها.
- الضفادع حيوانات برمائية: حيث أنها تمضي جزءًا من حياتها في الماء وجزءًا آخر على اليابسة.

المعرفة الحديثة تظهر معلومات عديدة بعيدة عن الأساطير و الخرافات…
تُعتبر الضفادع والكائنات البرمائية الأخرى من المؤشرات الحيوية على جودة المياه، إذ أن حساسيتها للتغيرات البيئية، ولا سيما لتلوث المياه، تجعلها شاهدة رفيعة على صحة النظم البيئية المائية. من بعض الأسباب التي تجعل الضفادع مؤشرات على جودة المياه:
1. جلد الضفادع نفاذ : حيث أن الضفادع تمتلك جلدًا قابلاً للنفاذ يمكنها من خلاله امتصاص الأكسجين والمواد الأخرى مباشرة من الماء، ماا يجعلها حساسة للشوائب الموجودة في هذا الأخير، مثل المواد الكيميائية الضارة والمعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية. ففي حالة ما إذا كان الماء ملوثًا، فقد يؤثر ذلك في تشوهاتها وأمراض مختلفة لها و بمعدلات وفاة مرتفعة.
2.دورة حياة الضفادع معقدة: تقضي الضفادع جزءًا من حياتها في الماء (اليرقات) وجزءًا على اليابسة لدى بلوغها. اعتمادها على بيئتين مختلفتين يجعلها عرضة للاضطرابات في المياه. إذا كانت مجاري المياه أو المناطق الرطبة التي تتكاثر فيها ملوثة أو متدهورة، يمكن أن يكون لهذا تأثير على تكاثرها وبقائها.
3. الضفادع و التنوع البيولوجي: تشكل الضفادع جزءًا أساسيًا من سلسلة الغذاء والنظام البيئي الذي يعيشون فيه. يمكن أن تؤثر وجودهم أو غيابهم على أنواع أخرى من الكائنات الحية والنباتات. وبالتالي، فإن رصد صحة مجتمعات الضفادع يوفر معلومات عديدة عن الحالة العامة للنظام البيئي المائي.
4. الضفادع جد حساسة للتغيرات البيئية: و لتغيرات درجات الحرارة، والتعديلات في الموطن، والاضطرابات البيئية الأخرى. فمن خلال مراقبة مجتمعات الضفادع، يمكن للباحثين وعلماء البيئة اكتشاف المشكلات البيئية المحتملة بسرعة واتخاذ تدابير الحفظ.

تعتبر الضفادع حلقة جد مهمة في السلسلة الغذائية، إذ أنها تؤدي دورين إثنين : فهي تعتبر مفترسات داخل أنظمتها البيئية الطبيعية و هي كذلك و في نفس الوقت فرائس لحيوانات أخرى. فبصفتها مفترسات، فإن الضفادع تتغذى و بشكل أساسي على الحشرات واللافقاريات الصغيرة كالذباب و البعوض و الخنافس و العناكب و الديدان. ما يجعلها مكافحًا طبيعيًا فعالًا ضد الآفات، مساعدة بذلك في التحكم بأعداد الحشرات الضارة بالمحاصيل أو ناقلات الأمراض. بالإضافة على ما سلف ذكره، تتغذى الأنواع الكبرى من الضفادع على القواقع و الأسماك الصغيرة، أو حتى أنواع من القوارض….
تشكل الضفادع مصدر غذاء رئيسي للعديد من الحيوانات. فهي فرائس للطيور (مثل اللقلاق و البوم و مالك الحزين) وكذلك للثعابين و العديد من الأسماك الكبيرة و الثدييات الصغيرة (كالرَّاكون والثعالب)، بل و حتى بعض اللافقاريات الكبيرة كالعناكب المائية العملاقة. وبسبب دورها المحوري في السلسلة الغذائية، فإن الضفادع تؤثر بشكل كبير على التوازن البيئي. فأي نقص في أعدادها قد يؤدي إلى إضطراب شديد في النظم البيئية و إنتشار الكثير من الأمراض و الأوبئة، ما له وقع مباشر على الديناميكات الزراعية و جودة و كميات المحاصيل، كما سوف يتأثر وجود العديد من الحيوانات المفترسة المعتمدة على الضفادع كمصدر غذاء.
إن الضفادع بأنواعها هي مؤشرات حيوية واضحة و مباشرة على التوازن البيئي و جودها هو مؤشر رفيع لجودة المياه سواء كانت أمطارا أم أنهارا و جداول و مستنقعات … فحساسيتها العالية لأنواع التغييرات البيئية و تلوث محيطات الحياة، هي من بين أفضل أدوات تقييم جودة بيئات عيش الإنسان.
إذا حصل و نقص عدد الضفادع على وجه الأرض، بل و حدث ما قد يسبب إنقراضها، فسوف يكون الأمر في غاية الخطورة بالنسبة للنظم البيئية الموجودة و نذيراً بتطورات سلبية ل كبيرة و بشكل لم يسبق له مثيل…فيكون له أثر مباشر على وجود باقي الكائنات الحية على وجه الأرض.