ليست حدائق الفنادق مجرد مشاهد جمالية محضة، بل هي أدوات خدماتية و آليات إقتصادية جد متطورة و مُدرَّة لمن يعرف تصميمها و إدارتها بالشكل الصحيح.

تعتبر الهندسة المناظرية في قطاع الضيافة والفندقة رافعة استراتيجية تسهم في صياغة تجربة العميل، وترسيخ هوية العلامة التجارية، وتوليد القيمة المضافة المستدامة. فهي توظَّف إبداعاتها الجمالية و الفنية كأداة ذات أبعاد اقتصادية عميقة و متعددة. كذلك فإنها تساهم في خلق التجربة الفريدة، وتعزيز العلامة التجارية في مجال الضيافة والفندقة …من أجل تحقيق أهداف ربحية… بكل سلاسة و بديهية، فتجعل المهندس المناظري شريكًا أساسياً في تطوير المشاريع الفندقية برؤية مبتكرة.

يُنظر إلى التعبير المناظري في كثير من الأحيان بوصفه استثمارًا غير مادي، غير أنّ المؤشرات الكمية والبيانات الاقتصادية تُظهر بجلاء مردوديته العالية وعوائده الملموسة. فهو يمثل نقطة التقاء بين الأبعاد الجمالية ومقتضيات السوق، حيث تتداخل التجربة الحسية مع مقاييس الأداء. ولم يعد دور المهندس المناظري يقتصر على تزيين الفضاءات، بل تطوّر ليغدو شريكًا استراتيجيًا يسهم في إعادة ابتكار أنماط العيش والاستهلاك، ويحوّل المساحات المفتوحة إلى موارد اقتصادية تُعزز القيمة العاطفية وتدعم الولاء، مانحاً المشاريع الفندقية موقعًا تنافسيًا مميّزًا ضمن سوق التجارب الراقية.

وهكذا يشغل تخصص الهندسة المناظرية اليوم موقعًا أساسيًا في معادلة القيمة، حيث يساهم في ربط الممارسات المعمارية بالاعتبارات الاقتصادية التشغيلية، ويُوظَّف الإبداع في التصميم كأداة لرفع كفاءة الأداء وتحسين مؤشرات الربحية، إضافةً إلى تعزيز رأس المال الرمزي للمؤسسات.

ينبغي على المنشأة الفندقية، سواءً كانت منتجعًا شاطئيًا، أو فندقًا “بوتيكيًا(Boutique Hotel)* في منطقة جبلية، أو مجمّعًا حضريًا، أو منظومة إيواء مدجمة وسط إطار سياحي زراعي- أن يعكس هوية المكان هذه، عبر خلق مشاهدة متميزة، من خلال إنتقاء المكونات، والنباتات،و التعبير الموضوعي الرفيع، الذي يساهم في تكوين قيم الفندق وهويّته: من رفاهية و حوار مع المحيط الطبيعي و الترابط مع الثقافة المحلية، أو حتى التجديد و الابتكار.

على كل تجربة تجربة، أن تبدأ منذ اللحظة الأولى لوصول الزائر و هي تواكب كل خطوة من خطواته؛ فالساحات، والحدائق، والمسارات الخارجية، و النوافير و البرك، و العرائش الظليلة … كلها تشكّل الغلاف الحسيّ الأول الذي يطبع الانطباع الأوّل. قبل دخول بهو الاستقبال، يقوم المشهد الخارجي بدور المقدّمة التي تُمهّد للجوّ العام، والإيقاع، والوعد الذي يقدّمه الفندق.

ليست حدائق الفنادق مجرد مشاهد جمالية عابرة، بل هي نصّ مفتوح يُروَى بفصول حسية متتابعة. فكل مسار ظليل أو فسحة أو نافورة رقراقة أو زاوية للإسترخاء و التأمل أو إطلالة بانورامية، يشكّل فصلًا من فصول التجربة، يُنظَّم وفق إيقاع مدروس ينتقل بالزائر بسلاسة بين لحظات السكون، والاكتشاف، والمفاجأة، والتأمل.

سرد طبيعي لمخاطبة كل الحواس :

البصر: عبر تدرجات الضوء و تنوع الألوان و الإنعكاسات.

الشم: من خلال عبق المواسم.

السمع : عبر همسات المياه وأصوات الطبيعة.

اللمس : بملمس المواد الحجر والخشب.

الذوق : عبر منتجات الحدائق و إختصاصات الطبخ المختار.

يعتمد التصميم المناظري على توزيع متوازن للكتل والفراغات، ومسارات حركة مرنة، ومحطات توقف استراتيجية تتيح تجربة حسية وتجارية متجددة. ويقوم نجاح التجربة الكلية للمنشأة الفندقية على رؤية إبداعية متكاملة، تجعل المصمّم المناظري “مايسترو” استراتيجيًا ينسّق بين الجمالية والوظيفية والربحية، في تفاعل وثيق مع المستثمرين والمعماريين وخبراء التشغيل والاستدامة والتسويق. وبهذا يتحوّل المشروع الفندقي إلى منظومة متكاملة تجمع بين البعد الجمالي والكفاءة التشغيلية، وتؤلف بين الهوية البصرية ووظيفية المكوّنات، بما يحقق القيمة المرجوّة على المستويين التشغيلي والاقتصادي.

تنصهر كل هذه المكونات داخل المشهد العام بكل تناغم وانسيابية، فتخلق الحركة الديناميكية التي توجّه الزائر، بشكل غير مباشر، نحو تجارب جديدة. وتُفضي هذه التوقفات الغنيّة والمُلهِمة إلى إطالة مدّة البقاء داخل الفضاء – سواء لساعات إضافية أو حتى لإقامة غير مبرمجة.و هكذا، ينعكس هذا الامتداد الزمني في الإقامة الذي يكون قد تم تخطيطه بشكل ذكي واستراتيجي، مباشرة و بكل إيجابية على التدفق النقدي للمؤسسة، فيُعزّز قدرتها على توليد عوائد طويلة الأمد.

وبهذا يتحوّل الفضاء الطبيعي من مجرد عنصر جمالي زخرفي إلى رافعة اقتصادية حقيقية، تخدم رؤية فندقية أكثر انغماسًا، وأكثر ربحية، وأكثر استدامة.


*الفندق البوتيكي (Boutique Hotel) هو نوع من الفنادق يتميّز عن الفنادق التقليدية بتركيزه على الطابع الفريد والتجربة الشخصية بدلاً من الضخامة أو الطابع الموحّد للسلاسل العالمية.

1600 2400 إدريس السعداني

إدريس السعداني

النسيج البيئي و المحيط اليومي الحاضر، يحددان مسارات الغد !

المقالات بقلم : إدريس السعداني

Leave a Reply