عن حديقة ماجوريل بمراكش

إذا كانت حديقة ماجوريل في مراكش، موضع جذب سياحي، فهي قد فُرِضَت ضمن المسارات المبرمجة للسياح العابرين. لم يُقدم بعد إلى يومنا هذا أي تحليل أو نقد أكاديمي أو فني جادين، يساعدون في “تشريح” مفهوم هذه الحديقة.

تبدأ قصة حديقة ماجوريل في مراكش عام 1924 مع الرسام الفرنسي جاك ماجوريل Jacques Majorelle الذي أنشأ فيها ورشته ثم حديقته النباتية، على نمط أسفاره حول العالم. تُعرف هذه الحديقة بإستخدامها المكثف “لأزرق ماجوريل” الذي يعتبر بصمتها التعبيرية. إفتُتحت هذه الحديقة للجمهور عام 1947، حيث كانت مصممة في الأصل كمكان للإلهام و مختبرا للفن التشكيلي، لتتخذت فيما بعد بُعدًا تجارياً تعَزًّز عندما اقتنياها إيف سان لوران Yves Saint-Laurent و بيير بيرجيه Pierre Bergé عام 1980، فحولا المكان إلى وجهة شهيرة تجمع بين الفن والطبيعة والثقافة، إلى حين موت إيف سان لوران Yves Saint-Laurent عام 2008، أوصيت الحديقة “لمؤسسة حديقة ماجوريل“.

الجدير بالذكر هو أن منذ التسعينيات إلى يومنا هذا و تشهد مراكش ظهور العديد من الإبداعات المناظرية التي هي محل فخر المدينة و المنطقة، سواء كانت ذلك في إطار مشاريع خاصة أو فندقية أو في سياق المشاريع الحكومية التي سعت بحرص شديد على إنعاش الهويتين المعمارية و المناظرية المحليتين، لكنها بقيت تفتقر إلى ترويج قوي و مستمر.

كذلك لم يتم إجراء أي نقد أكاديمي أو تقني جاد لتفكيك مفهوم حديقة ماجوريل ووضعها بدقة في تاريخ الهندسة المناظرية بالمغرب عامة و في مدينة مراكش خصوصاً. إن غياب هذه القراءة النقدية المتعمقة يُساهم في الحفاظ على رؤية سطحية لهذا المكان، فيصبح منافساً إن لم يغطي على معالم مثل حدائق قصر البديع و قصر الباهية و المنارة و فندق المامونية الذي كان قصرا قبل أن يصبح مؤسسة فندقية و فندق المنصور الذهبي و فندق المريديان نفيس و عرصة مولاي عبد السلام ، بالإضافة إلى الوفير من الإقامات الخاصة على شاكلة فيلا تايلور و غيرها بمراكش التي فتح بعضها أبوابه للعموم، على شاكلة نزل أو مطاعم فخمة، تتميز بحدائقها و بساتينها العريقة و الخلابة.

بالإضافة إلى النقد المفاهيمي، تُثير تجربة زيارة حديقة ماجوريل نقاطًا أكثر ذاتية، ولكنها لا تقل أهمية. فيُعد الاكتظاظ مشكلة رئيسية، حيث تُفسد زحمة الزوار والتدفق المستمر لهؤلاء منذ أول ساعات النهار، الهدوء و أجواء التأمل اللذين قد يتوقعهما المرء من حديقة و محج للتعبير الفني…بسبب كثافة الزيارات المبرمجة من قبل المرشدين ومنظمي الرحلات السياحية، فيصبح إلتقاط الصور و إستساغة الوقفات و اللحظات محل تحد.

كلاهما الجانب المالي و البعد التجاري جديران بالاعتبار، فهما يفرضان نفسيهما إبتداءً من سعر الدخول، الذي يراه الزوار من ذوي الميزانية المحدودة عائقًا، إلى مسألة تراكم متاجر الهدايا التذكارية المتواجدة هنا وهناك رغم ضيق المساحات، في تناقض مع الأجواء الطبيعية والفنية المتوخات…هذا بغض النظر عن شح الظل و المناطق المحمية من وطأة شمس الصيف.

يبدو واضحاً أن فضل نجاح حديقة ماجوريل يرجع إلى آلية تسويق قوية و فعالة ساهمت في بناء سمعة المكان عبر العقود، لكنه يبقى حدثا عارضاً لن يقدر على مضاهاه ما يزخر به الخزان المغربي من إبداعات في المشاريع الخاصة أو العمومية منها.

من الضروري إعادة وضع حديقة ماجوريل قالباً و مضموناً، في مواجهة الثروة الهائلة للإرث الإبداعي المغربي و للديناميكية المعاصرة الهائلة في كل ما يخص التصاميم و الإنجازات المناظرية عبر ربوع البلاد. كذلك لا يوجد مجال للمقارنة بين حديقة خاصة فلسفتها أقرب إلى “الفن الساذج – Art Naif – Naive Art” و إن كان هذا النوع من الإبداع معترفا به عالمياً ، لكنه يبقى في سياقه الخاص و ليس في أي نوع من التنافسية مع الحدائق “الأكاديمية” للقصور والمنشآت و الإقامات التي تزخر بها مراكش منذ قرون عديدة. كذلك يسلط هذا الموضوع الضوء على إشكاليتي الترويج و التسويق اللتان يفتقر إليهما ذلك الخزان الكبير من الإنجازات المناظرية في المدينة الحمراء، فغالبًا ما تكون هذه الإنجازات مجهولة من قبل العموم إلا من البعض اليسير من المهتمين بهذا الموضوع.

و أخيرا، حديقة ماجوريل إنجاز يعكس الذوق الفني و الأفكار الخاصة لمصممها الأصلي. جاك ماجوريل Jacques Majorelle، هي لا تخلوا من جمالية ما دامت في سياقها و سُلَّمها الحقيقين، بدلاً من أن تُفرضَ كتحفة حضارية أو كمَعلمة منافسة لأصالة المعمار و الهندسة المناظرية بالمغرب… فهي تبقى ظاهرة تسويقية، وحدثًا قصيرًا في التاريخ الطويل و عريق لفنون البستنة والتعبير المناظري في مراكش.

760 539 إدريس السعداني

إدريس السعداني

النسيج البيئي و المحيط اليومي الحاضر، يحددان مسارات الغد !

المقالات بقلم : إدريس السعداني

إترك تعليقاً

Verified by MonsterInsights