جريمة الملامح !

هل سمعتم بجريمة الملامح ؟ هكذا تسمي الصحافة هذا الأمر لما يوقِفك ”الأمن“ في البلاد الغربية… لا لشيء سوى أن ملامحك غريبة عليهم أو لأن لون بشرتك غير معهود … فتُطَبَّقُ عليك إجراءات جارحة … لا لشيء سوى أنك …مختلف !

التواصل اللاَّمادي

إستمع لما حولك كالمكفوف …

و تامل ما يحيطُ بك كالأصم …

وطور ذكائك العاطفي لتغير قراءتك للعالم،

حاول أن تستمع … بقلبك …

هل تنظر إلى وجه مخاطبك و هو يحاورك ؟

هل تدرس ملامحه و تحاول ربطها بذكاء مع موضوع كلامه ؟ هل تحلل شكل و حركات حاجبيه و نظراته و تعابير وجهه و لغته الجسدية و هو يحدثك ؟ هل تحكم على مضمون كلامه بما “يقرأه” نظرك … كل ذلك قد يكون

كيف يمكننا أن نُصدقَ كلام من يخاطبنا أو أن نُشَكِّكَ فيه، دُون أن نكُونَ “حِسِّيِّيِّنَ” لمَضمونه و نبراته .. و دون أن نُنَقِّب عن عمق المعاني وعن ماهية المواضيع، فنرتقي عن الأحكام المسبقة المبنية على قرآءة سطحية للمظاهر …دون أن نُسَخر ذكاءنا العاطفي، فنساعد أنفسنا على قراءة ما بين السطور ؟

الشاب الذي كان أمامي ذلك الصباح أثناء مقابلة العمل تلك بدا متواضع الحال…لا يكاد يتستر على آثار ضعفه المادي … لم نتأثر بالشكليات و لم يكن الأمر عائقاً حتى يُحلّقَ الحديث بسرعة إلى آفاق عالية بعيدة … فسار النقاش يدور حول الأفكار و ماهياتها وتفاصيل المهارات و الأهداف المنشودة …لم يكن لدى طارق* من تلك الشهادات الواردة من الجامعات و المدارس العليا العالمية … لم تقدر ملامحه المرهقة بالسفر و عيناه الحزينتان تخفيان ذلك البريق الغريب النابض بالتحدي الإبداعي …

وفي خلال بضعة أشهر فقط، ارتقى طارق* سُلَّمَ المسؤوليات ، ليصبح مديرًا للمشاريع في شركتي… وبعد سنوات من انطلاقته الأولى في عالم الشغل … قرر بناء مساره بمفرده… وهو اليوم على رأس إحدى أكبر شركات الإعلانات في البلاد.

تكلم الكاتب و المفكر الفرنسي بيير رابحي Pierre Rabhi ** مرارا عن ما يرتبط بالأحكام المسبقة، حيث أن حياته الشخصية كانت نفسها نموذجا لتحدي الأحكام المسبقة و الفصل الاجتماعي … إذ لم تكن خلال المرحلة الأولى من عمره، أية دلائل تنبئ بمساره العظيم، ذلك الذي كان له تأثير كبير على التيارات الزراعية الإيكولوجية و الإجتماعية داخل فرنسا… وخارجها.

إستمع لما حولك كالمكفوف …

… و أخيرا أريد أن أذكر الجواب على سؤال طرح أثناء منتدى فكري في الفلسفة العلمية : “هل يمكن للمكفوفين أن يكونوا عنصريين؟ أم أن الأمر منحصر على عالم المبصرين؟ يبدو أن لدى المكفوفين قدرة خاصة على جص قلوب الآخرين و قراءة طينتهم، فيتجاوزون بكل بديهية كل حواجز عالم المبصرين !

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* طارق : إسم مستعار لشخصية واقعية،

** بيير رابحي Pierre Rabhi : مفكر و من رواد الزراعة البيئية، إسمه الأصلي رباح رابحي، ولد في 29 مايو 1938 في كنادسة بالجزائر وتوفي في 4 ديسمبر 2021 في برون في فرنسا، عن عمر يناهز 83 عامًا. كان محاضراً مرموقاً و كاتب مقالات وفيلسوفا وروائيا ومزارعا وعالم بيئة فرنسي، أسس حركة كوليبريس Colibris، و تميز كشخصية بارزة و مؤثرة لحركة الزراعة الإيكولوجية والعلمية في فرنسا.

1024 768 إدريس السعداني

إدريس السعداني

النسيج البيئي و المحيط اليومي الحاضر، يحددان مسارات الغد !

المقالات بقلم : إدريس السعداني