نمط الهاسيندا مستمد من العمارة المورية الأندلسية التي ظهرت في إسبانيا الإسلامية، وتميز بالفخامة والوظائف المتعددة، من السكن إلى الزراعة وتربية المواشي. انتشر لاحقًا في أمريكا اللاتينية، وأصبح نموذجًا يجمع بين الجمال التراثي والتكامل الوظيفي. اليوم، يزداد الإقبال عليه لما يوفره من راحة واستدامة، خصوصًا في المناطق الحارة والجافة.

ترجع أصول هندسة الهاسيندا أو “الهثيندا” (Hacienda) إلى التأثيرات العميقة للعمارة المورية الأندلسية، التي تطورت في إسبانيا تحت الحكم الإسلامي (711–1492م). وقد تبلور هذا النهج المعماري كرمز للفخامة والانتماء الطبقي الإقطاعي الأرستقراطي، مع قابلية عالية للتكيّف مع مختلف الظروف الجغرافية والمناخية. وقد لبّى هذا الطراز المعماري حاجات سكنية متكاملة، من السكن الخاص والنُّزل والمرافق الخدمية، إلى وظائف إنتاجية تشمل تنظيم وتوزيع النشاط الزراعي وتربية الخيول والمواشي ضمن منظومة معمارية متكاملة.

نشأ هذا الأسلوب وتطور في شبه الجزيرة الإيبيرية، ثم انتقل لاحقًا إلى المستعمرات الإسبانية في ما يُعرف اليوم بأمريكا اللاتينية، حيث استمر في التحوّل والتكيّف حتى أصبح نموذجًا فريدًا لنمط عيش متكامل. يجمع هذا النمط بين الجمالية التراثية الدافئة والأصيلة وبين الوظائف المعمارية المعاصرة، ما جعله مصدر إلهام واسع في تصميم المزارع الصغيرة، والمنازل العائلية، والبيوت الثانوية الحديثة. ويزداد الإقبال عليه اليوم، ليس فقط لما يقدّمه من جماليات وتكلفة إنجاز معقولة، بل أيضًا لما يتيحه من انسجام بيئي في المناطق الحارة والجافة، مثل مناطق الخليج العربي وشمال إفريقيا.

ليست حدائق وبساتين الهاسيندا مجرد مساحات خضراء ذات دور جمالي محض، بل هي قصائد حية تنبض بالجمال والعطاء، مرسومة بأنامل فنانة تحاور الطبيعة وممهورة بحكمة الإنسان. إنها مزارع مصغرة مضبوطة بعناية، حيث تتجاور الأشجار الوارفة الظلال مع الأشجار المثمرة في انسجام شاعري، وتفوح النباتات العطرية بأريجها كأنها تهمس بأسرار الأرض والريح.

في هذا الفضاء، تتحاور فنون الزراعة مع المناخ المحلي حوارًا رفيعًا، فتولد منها بيئة خصبة، تجمع بين المتعة البصرية والوظيفة الحيوية المعطاء. فيشهد كل ركن من هخذه الفضاءات على ذكاء التصميم وعمق الانتماء، حيث تتحول البستنة إلى فن، والحديقة إلى تجربة حسية متعددة الأبعاد.

720 1280 إدريس السعداني

إدريس السعداني

النسيج البيئي و المحيط اليومي الحاضر، يحددان مسارات الغد !

المقالات بقلم : إدريس السعداني